
في إنجاز علمي بارز، نجح علماء من جامعة كوين ماري البريطانية عام 2021 في جمع عينة من الحمض النووي البيئي (eDNA) التابع لحيوان من الهواء وتحليليها. ولكن كيف فعلو ذلك وكيف ممكن أن تستخدم هذة التقنية في المستقبل؟
ما هو الحمض النووي البيئي (eDNA)؟
الحمض النووي البيئي (Environmental DNA - eDNA) هو المادة الوراثية التي تتركها الكائنات الحية في بيئتها المحيطة من خلال خلايا الجلد المتساقطة، سوائل الجسم، أو حتى عبر التنفس. بمجرد وجود أي كائن حي في بيئة ما، فإنه يترك بصمة جينية يمكن العثور عليها في الهواء، الماء، التربة، مما يتيح للعلماء تحليل وجود الكائنات الحية دون الحاجة إلى الإمساك بها أو رؤيتها بشكل مباشر.
كيف فعلوا ذلك؟
تعتمد تقنية جمع وتحليل الحمض النووي البيئي الهوائي على سلسلة من الخطوات العلمية الدقيقة:
- جمع العينات: يتم استخدام مضخات هوائية مزودة بفلاتر دقيقة لالتقاط جزيئات الحمض النووي البيئي العالقة في الهواء. تُوضع هذه المضخات في المواقع المستهدفة لفترات زمنية محددة لجمع العينات.
- استخلاص الحمض النووي: تُستخلص جزيئات الحمض النووي المحتجزة على الفلاتر باستخدام تقنيات كيميائية متخصصة.
- تضخيم الحمض النووي: تُستخدم تقنية تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لتضخيم مقاطع محددة من الحمض النووي المستخلص، مما يزيد من كميته ويُسهِّل عملية التحليل اللاحقة.
- تسلسل الحمض النووي والتحليل: تُحلَّل المقاطع المضخمة باستخدام تقنيات التسلسل المتقدمة لتحليل العينة من خلال مقارنة التسلسلات مع قواعد بيانات مرجعية.
تطبيقات تقنية الحمض النووي البيئي الهوائي
تُعدّ تقنية الحمض النووي البيئي الهوائي (eDNA) أداة فعالة لدراسة التنوع البيولوجي ومراقبة الحياة البرية دون الحاجة إلى مراقبة الكائنات الحية مباشرة. تُستخدم في البيئات النائية مثل الكهوف، الغابات الكثيفة، والمحيطات لرصد الأنواع دون تدخل بشري، كما تتيح تحليل عينات الهواء في المحميات الطبيعية لتحديد وجود الأنواع المهددة بالانقراض.
في مجال الصحة العامة، قد تُستخدم هذه التقنية في مراقبة الأمراض والميكروبات المحمولة جوًا عبر رصد البكتيريا والفيروسات في الهواء، كما يمكن توظيفها في دراسة آليات انتقال الأوبئة من خلال تحديد تركيز الجزيئات الفيروسية القادرة على إحداث العدوى.
أما في الطب الشرعي، فيمكن استخدام eDNA لتحليل الحمض النووي الموجود في الهواء داخل مسارح الجرائم، مما يساعد في تحديد الأفراد الذين تواجدوا في المكان دون الحاجة إلى أدلة تقليدية مثل الشعر أو اللعاب.
التحديات والقيود
على الرغم من المزايا العديدة لهذه التقنية، هناك بعض التحديات التي تواجه العلماء عند استخدامها:
- تحلل الحمض النووي بسرعة في بعض البيئات، مما قد يحد من دقة التحليل.
- احتمالية التلوث أثناء جمع العينات، مما يتطلب إجراءات دقيقة لتجنب النتائج الخاطئة.
- صعوبة تحديد عمر الحمض النووي، أي أنه من الصعب التمييز بين كائن حي لا يزال موجودًا في البيئة وآخر كان موجودًا منذ فترة طويلة لكنه ترك أثرًا جينيًا.
مستقبل الحمض النووي البيئي
مع تطور تقنيات التحليل الجيني، يُتوقع أن تصبح تقنية eDNA أكثر دقة وكفاءة، مما يُعزز استخدامها في مراقبة التنوع البيولوجي، التحقيقات الجنائية، ورصد الميكروبات المحمولة جوًا. ستوفر هذه التقنية أدوات غير تدخّلية لحماية الأنواع المهددة، تحسين الأدلة الجنائية، وتعزيز مراقبة الصحة العامة، مما يجعلها أداة أساسية في الأبحاث البيئية والطبية.