عمر ياغي ... من مخيّمات الأردن إلى جائزة نوبل في الكيمياء
أعلنت لجنة نوبل في العاصمة السويدية ستوكهولم أن جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025 ستُمنح لثلاثة علماء، من بينهم العالِم عمر ياغي، وهو أردني من أصول فلسطينية ويحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية.
وفي أول اتصال معه بعد إعلان فوزه بالجائزة – وكان حينها في المطار – تحدث ياغي بتأثر عن رحلته الطويلة نحو هذا الإنجاز الكبير، قائلًا إنه وُلد لعائلة لاجئة في مخيّم بالأردن، وعاش طفولة صعبة في غرفة واحدة مع عائلته وماشيتهم. وأوضح أن والده اضطر إلى ترك الدراسة وهو في الصف السادس، وأن والدته كانت تجد صعوبة حتى في القراءة والكتابة.
ورغم تلك الظروف القاسية، شقّ عمر ياغي طريقه بعزيمة، ثم انتقل فيما بعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال تعليمه، حيث شغل لاحقًا عدة مناصب أكاديمية مرموقة في عدد من الجامعات الأمريكية، أبرزها جامعة كاليفورنيا بيركلي.
تأسيس مجال جديد في الكيمياء
قبل نحو ثلاثين عامًا، أسّس ياغي مجالًا علميًا جديدًا يُعرف بـ الكيمياء الشبكية (Reticular Chemistry)، وهو الأساس الذي قامت عليه الأطر المعدنية-العضوية (Metal–Organic Frameworks – MOFs). هذه المواد البلّورية ثلاثية الأبعاد تمتاز بمساميتها العالية ومساحتها السطحية الضخمة، وتُعتبر من أعظم الاكتشافات في علم المواد في العقود الأخيرة.
وتقوم فكرتها على ربط وحدات معدنية بجزيئات عضوية لتشكيل شبكة صلبة يمكن التحكم في شكلها ووظيفتها بدقة. وبذلك، انتقلت الكيمياء من مرحلة التجربة والاكتشاف العشوائي إلى مرحلة التصميم الموجّه للمواد، كما يُصمَّم الجسر أو المبنى مسبقًا قبل تشييده.
حلول لمشكلات عالمية
استطاع ياغي وفريقه من خلال هذه التقنية تطوير مواد تعمل كـ «إسفنجات جزيئية» تمتص ثاني أكسيد الكربون (CO₂) من الهواء أو من مداخن المصانع بكفاءة عالية، مما جعلها أداة فعّالة في مكافحة الاحتباس الحراري والحد من الانبعاثات المسببة لتغيّر المناخ. كما مكّنت هذه الأطر من تخزين الغازات مثل الهيدروجين والميثان في ظروف آمنة ومنخفضة الضغط، فاتحةً الطريق أمام تطبيقات واسعة في الطاقة النظيفة.
ولم يتوقف ياغي عند ذلك، بل طوّر تقنية فريدة لحل أزمة المياه في المناطق الجافة، إذ صمّم أجهزة تستعمل الـMOFs لالتقاط بخار الماء من الهواء حتى عند رطوبة منخفضة جدًا (أقل من 20%)، ثم إطلاقه على شكل ماء نقي باستخدام الطاقة الشمسية فقط، دون أي مصدر طاقة خارجي. هذه التقنية تُعد خطوة ثورية نحو توفير المياه الصالحة للشرب في البيئات الصحراوية.
روى ياغي في أول مكالمة له بعد إعلان فوزه أنه عندما بدأ مسيرته البحثية، كان حلمه أن يُستشهد بورقةٍ واحدةٍ من أبحاثه ألف مرة فقط، لكنه اليوم يشهد ثمرة هذا الجهد، إذ أخبره طلابه أن مجموع الاستشهادات بأعماله تجاوز 250 ألف استشهاد علمي، لتصبح أحد أكثر المجالات نموًا وتأثيرًا في الكيمياء الحديثة.
جوائز وتكريمات عالمية
قبل نيله جائزة نوبل، حصد عمر ياغي سلسلة من الجوائز المرموقة حول العالم، منها:
- 🏅 ميدالية ساكوني من الجمعية الكيميائية الإيطالية (2004)
- 🏅 جائزة الجمعية الكيميائية الأمريكية في كيمياء المواد (2009)
- 🏅 جائزة الذكرى المئوية من الجمعية الملكية للكيمياء البريطانية (2010)
- 🏅 جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم (2015)
- 🏅 جائزة ألبرت آينشتاين العالمية للعلوم (2017)
- 🏅 جائزة غريغوري أمينوف من الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم (2019)
- 🏅 ميدالية هوفمان من الجمعية الكيميائية الألمانية (2020)
- 🏅 جائزة بالزان الدولية (2024)
العربي الرابع في تاريخ نوبل للكيمياء
بهذا الفوز، أصبح عمر ياغي رابع عربي في التاريخ ينال جائزة نوبل للكيمياء، بعد أن سبقه كلٌّ من:
- إلياس جيمس خوري (Elias James Corey) – أمريكي من أصل لبناني
🏆 نوبل في الكيمياء عام 1990، حصل عليها لاكتشافاته في منهجيات التركيب العضوي. - أحمد زويل – مصري أمريكي، 🏆 نوبل في الكيمياء عام 1999، عن تطويره لتقنية الفيمتوثانية التي تُمكّن من تصوير التفاعلات الكيميائية أثناء حدوثها.
- منجي بواندي (Moungi Bawendi) – تونسي فرنسي أمريكي، 🏆 نوبل في الكيمياء عام 2023، عن تطويره النقاط الكمّية (Quantum Dots) واستخدامها في الإلكترونيات والطب.
ويُعد فوزه محطة فخر للعالم العربي، ورسالة ملهمة بأن العلم لا يعرف حدودًا ولا ظروفًا، وأن الإصرار والمعرفة يمكن أن يغيّرا مسار حياة كاملة.
المصادر: