هل يمكن للفطريات أن تنظف كوكبنا من البلاستيك؟

هل يمكن للفطريات أن تنظف كوكبنا من البلاستيك؟

حيوية | بواسطة سارّة عبدالحفيظ

سارّة عبدالحفيظ
سارّة عبدالحفيظ
مشاركة:
هل يمكن للفطريات أن تنظف كوكبنا من البلاستيك؟

تخيل أن كائنًا مجهريًا، لا يُرى بالعين المجردة، قد يحمل مفتاح الخلاص من واحدة من أخطر أزمات الكوكب: التلوث البلاستيكي. هذا هو بصيص الأمل الذي أعطتنا إياه الفطريات الآكلة للبلاستيك، فطريات بيستالوتيوبسيس ميكروسبورا ((Pestalotiopsis microspora ورشاشية الأنبوبيات(Aspergillus tubingensis)  في مساعدتنا للتخلص من المخلفات البلاستيكية والتي تبلغ سنويا 400 مليون طن.

البلاستيك والبيئة

منذ خمسينيات القرن الماضي، أنتج البشر حوالي 9 مليارات طن من البلاستيك. يُعاد تدوير 9% فقط من هذه النفايات، ويتم حرق 12% منها، وتبقى النسبة الأكبر، 79%، متراكمة في الطبيعة، ملوثة اليابسة والمياه.

يستغرق البلاستيك قرونًا ليتحلل، وخلال هذه المدة الطويلة يتفتت إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة (Microplastics) تملأ المحيطات والأنهار، وتُشكِّل جزرًا ضخمة من القمامة، مثل “بقعة النفايات الكبرى في المحيط الهادئ”.

لا تتحلل المواد البلاستيكية كليا في الطبيعة؛ لكنها تتفتت إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة بفعل الضوء، والحرارة، والعوامل الفيزيائية الأخرى، وهي جزيئات صغيرة يمكن أن تُركٍّز مواد كيميائية خطرة مثل الفثالات (phthalates) ، والبيسفينول ((bisphenol A و تتسلل أيضا إلى النظم البيئية والسلاسل الغذائية.

عُثر على هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الأسماك والرخويات، وحتى في مياه الشرب. وبالتالي هي لا تُشكل خطرًا فقط على الحياة البرية والبحرية، بل أيضًا على صحة الإنسان. قُدَر أن الشخص الواحد يتناول حوالي 5 غرامات من البلاستيك أسبوعياً عن طريق الفم أو عن طريق التنفس.  

 الفطريات الآكلة للبلاستيك 

الفطريات قادرة على هضم مواد لا تستطيع الكائنات الأخرى تحللها، مثل الخشب. حيث لا تقوم  الفطريات بالبناء الضوئي كالنباتات للحصول على غذائها، بل تُحلل المواد العضوية باستخدام إنزيمات تفرزها؛ لتُعيد تدوير العناصر الغذائية الأساسية في التربة.

هذه الخاصية جعلت العلماء يتساءلون: هل يمكن للفطريات أن تحلل البلاستيك أيضًا؟ لذا، قام فريقان بحثيان أحدهما بجامعة ييل (Yale University) و الآخر بجامعة هاواي (the University of Hawaiʻi) بدراسة واكتشاف القدرة التي تمتلكها بعض الفطريات على أكل و تحليل البلاستيك. 

اكتشاف جامعة ييل: فطر يعيش على البلاستيك

في عام 2011، عثر طلاب من جامعة ييل الأمريكية خلال رحلة إلى غابات الإكوادور المطيرة على نوع من الفطريات يُدعى Pestalotiopsis microspora. هذا الفطر لم يكتفِ بالبقاء على البلاستيك، بل تغذى عليه فعليًا، وتمكن من تحليل مادة “البولي يوريثين” (polyurethane) — أحد المكونات الأساسية في كثير من أنواع البلاستيك.

حسب اكتشافهم، ينمو فطر Pestalotiopsi  على (البوليوريثين -polyurethane) – أحد المركبات الرئيسية في البلاستيك – حيث يستخدمه كمصدر للكربون، وهذا بدوره يؤدي إلى استنتاج أن الفطر لا يهمه وجود الأكسجين من عدمه للبقاء على قيد الحياة،  أي أنه قادر على العمل في مكبات النفايات المغلقة والبيئات اللاهوائية.  فهو ببساطة يحلل ويهضم كل ما يأكله لتحويله في النهاية إلى مادة عضوية. 

 تجارب جامعة هاواي: فطريات بحرية تستهلك البلاستيك

وفي الجهة الأخرى من العالم، اكتشف باحثون في جامعة هاواي في مانوا أن العديد من أنواع الفطريات بالقرب من شواطئ هاواي لديها القدرة على تحليل البلاستيك أيضا.

قام الفريق بتجارب مخبرية استخدموا فيها أطباق بتري تحتوي على البولي يوريثين،  وقاموا بقياس ما إذا كانت الفطريات تستهلك البلاستيك، ومدى سرعة ذلك. أخذ الباحثون الفطريات التي نمت بسرعة وقاموا بتطويرها من خلال التجارب لمعرفة ما إذا كانت هذه الفطريات، بمرور الوقت مع التعرض لكمية أكبر للبولي يوريثين قادرة على التكيف لاستهلاك البلاستيك بشكل أسرع وكفاءة عالية.

كانت النتيجة أن أكثر من 60% من الفطريات  تمكنت من “أكل” البلاستيك وتحويله إلى مادة فطرية عضوية.  ولاحظ فريق البحث مدى سرعة قدرة الفطريات على التكيف، وكان من المثير للدهشة أنه في غضون ثلاثة أشهر فقط تمكنت بعض الفطريات من زيادة معدلات استهلاكها للبلاستيك بنسبة تصل إلى 15%.


آلية تحلل البلاستيك بواسطة الفطريات

 تتمثل العملية بشكل أساسي في قدرة الفطريات على إفراز إنزيمات متخصصة، مثل اللجنين بيروكسيداز (lignin peroxidase)، الليباز (lipase)، واللاكاز (laccase)، التي تكسر الروابط الكيميائية المعقدة في بوليمرات البلاستيك. تبدأ الفطريات هجومها على البلاستيك من خلال تفكيك السلاسل البوليمرية الكبيرة إلى جزيئات أصغر قابلة للامتصاص والهضم.

هذه الإنزيمات تعمل على تحلل البوليمرات إلى مركبات أبسط عن طريق عمليات الأكسدة والتحلل المائي، مما يسهل امتصاص الفطريات لهذه المركبات واستخدامها كمصدر للكربون والطاقة. كما تلعب عوامل بيئية مثل الرطوبة ودرجة الحرارة دورًا مهمًا في تعزيز نشاط الإنزيمات وتحفيز معدل التحلل. بعض الفطريات تستطيع تنفيذ هذه العملية حتى في ظروف لاهوائية، وهذا يجعلها فعالة في بيئات متنوعة كالبيئات البحرية والتربة.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم شبكة الميسيليوم (mycelium) التي تكوّنها الفطريات بزيادة مساحة التفاعل مع مادة البلاستيك، مما يعزز من سرعة وفعالية التحلل.

الفطريات ومستقبل أزمة البلاستيك

رغم أن الفطريات تقدم حلولًا واعدة، يبقى السؤال الأهم: هل سنتحرك كمجتمعات للبحث عن بدائل صحية وآمنة للبلاستيك؟ وهل سنمتلك الشجاعة كأفراد لنُقنن استخدامنا لهذا العنصر الذي استحوذ على تفاصيل حياتنا وأرهق كوكبنا؟

الحلول البيئية وحدها لا تكفي إن لم نجعل وجهتنا هي تقنين الاستهلاك وعملية البحث عن بدائل نظيفة. علينا أن نتذكر أننا لسنا مجرد مستهلكين، بل أصحاب مسؤولية في حماية الأرض ومصائر الأجيال القادمة فهم أمانتنا الأولى، فالحياة تتطلب منا توازنًا دقيقًا بين الأخذ والعطاء، وبين الاستهلاك والبناء.



احصل على إشعار لكل مقال جديد!

مقالات ذات صلة