زيت الزيتون: ثروة عربية تُنتزع من جُذورها

زيت الزيتون: ثروة عربية تُنتزع من جُذورها

حيوية | July 15, 2025 بواسطة أميرة خليل

أميرة خليل
أميرة خليل
منذ يوم
مشاركة:
زيت الزيتون: ثروة عربية تُنتزع من جُذورها

شجرةُ الزيتون متأصّلةٌ في التراث العربي منذ آلاف السنين، وقد حملت بين أغصانها معاني الحضارة، والاقتصاد، والبركة. فعلى مرّ العصور، كانت غذاءً أساسيًّا، ودواءً طبيعيًّا، وموردًا اقتصاديًّا لا غنى عنه. كما غدت رمزًا للازدهار، والنور الإلهي، والانتماء العميق إلى الأرض.

ثروة مُنتجة تُصدَّر بلا قيمة

تُعدّ كلٌّ من تونس، وسوريا، والمغرب، والجزائر، وفلسطين، ولبنان من أبرز الدول العربية المنتجة لزيت الزيتون، بإنتاج سنوي يقارب 600 ألف طن، أي ما يعادل نحو 20٪ من الإنتاج العالمي. تتصدّر تونس هذا الإنتاج عربيًا وتحتل موقعًا متقدمًا بين الدول الرائدة عالميًا، بمتوسط إنتاج سنوي يتراوح بين 170 و220 ألف طن سنويًا.
ورغم قوة الإنتاج، تُصدَّر معظم كميات الزيت العربي كخام منخفض القيمة بالجملة إلى أوروبا، حيث يُعاد تغليفها وتسويقها بعلامات تجارية غربية، محقّقةً أرباحًا مضاعفة. فكثيرًا ما يُسوّق الزيت على أنه "إيطالي"، رغم أنه في الحقيقة خليط من الزيت التونسي والإسباني واليوناني، أُضيف إليه التغليف الإيطالي الفاخر. يُقدّر أن أكثر من 90٪ من صادرات تونس من الزيت تُباع غير معلبة، ما يعني أن الأرباح الأكبر تذهب للمُصدّرين الأوروبيين وليس للمزارعين العرب.

أما في فلسطين، فزيت الزيتون ليس مجرد محصول زراعي، بل شجرة صمود ومصدر رزق. تُغطّي أشجار الزيتون نحو 48٪ من الأراضي الزراعية، وتُعيل أكثر من 100 ألف عائلة فلسطينية.
ومع ذلك، فقد دمّر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 800 ألف شجرة زيتون منذ عام 1967، وصادر آلاف الأراضي، وفرض قيودًا على التصدير، فيما يُسوّق زيت المستوطنات تحت هوية مزيفة في الأسواق الأوروبية.

زيت الزيتون في الطب الحيوي

يتجاوز زيت الزيتون قيمته الغذائية، إذ يحتوي على مركبات نشطة حيويًا مثل حمض الأولييك (Oleic acid) والـ Oleuropein. وهما عنصران فعّالان أظهرا خصائص مضادة للأكسدة والالتهاب، بالإضافة إلى إمكانات علاجية واعدة في مجالات السرطان وصحة الدماغ والقلب.

في دراسة نُشرت عام 2024، استُخدم زيت الزيتون كمكوّن دهني أساسي في كبسولات نانوية (lipid nanocapsules) صُمّمت خصيصًا لاستهداف الخلايا الجذعية لسرطان البنكرياس، وهو أحد أكثر أنواع السرطان عدوانية ومقاومة للعلاج. تم تحميل هذه الكبسولات بدواء Paclitaxel، وهو دواء قوي يُستخدم في العلاج الكيميائي. احتواء الزيت على حمض الأولييك (oleic acid) يُساعد على إذابة الأدوية الكارهة للماء مثل Paclitaxel، مما يُعزز من استقرارها داخل النظام العلاجي. كما أنه مادة حيوية طبيعية آمنة للاستخدام داخل الجسم. ولتوجيه الكبسولات بدقة إلى الورم، تم ربطها بجزيء مضاد يُعرف باسم Anti‑CD44، وهو بروتين يظهر بكثافة على سطح الخلايا الجذعية السرطانية التي تقاوم العلاج الكيميائي التقليدي. أظهرت هذه الكبسولات فعالية عالية في إيصال الدواء(Paclitaxel) مباشرة إلى الورم، مع تقليل تأثيره على الخلايا السليمة. أظهرت هذه التقنية نتائج واعدة، إذ زادت فعالية Paclitaxel في القضاء على الورم مقارنة باستخدامه بمفرده، وقللت من الأعراض الجانبية.

أما Oleuropein، وهو البوليفينول الرئيسي في الزيتون، فقد ثبتت فعاليته في تقليل الالتهابات المزمنة، وخفض ضغط الدم، وتنظيم السكر في الدم، وتعزيز وظائف الدماغ، وحتى مكافحة التدهور العصبي المرتبط بمرض ألزهايمر. ومع أن Oleuropein يُبدي قدرة عالية كمضاد للسرطان، إلا أن فعاليته داخل الجسم محدودة بسبب سرعة تحلّله وصعوبة امتصاصه. لذلك، أشارت دراسة مراجعية نُشرت عام 2025 إلى أهمية أنظمة التوصيل النانوية في تعزيز فعاليته.

ورغم هذا التقدّم، لا تزال الدول العربية المُنتِجة خارج إطار هذه التطبيقات، إذ يُنقل الزيت الخام إلى مختبرات أجنبية تُعيد توظيفه علميًا وتسويقه صناعيًا بأضعاف قيمته، في مشهد يُعيد تكرار فقدان القيمة المُضافة لثروة نملكها ولا نستثمر فيها.

احصل على إشعار لكل مقال جديد!