لماذا قد تستغني عن صديقك المقرب: العدسات اللاصقة

لماذا قد تستغني عن صديقك المقرب: العدسات اللاصقة

حيوية | July 1, 2025 بواسطة هدى شيخ خميس

هدى شيخ خميس
هدى شيخ خميس
منذ يوم
مشاركة:
لماذا قد تستغني عن صديقك المقرب: العدسات اللاصقة

تظهر اختراعات جديدة تباعًا تغيّر مجرى حياتنا، حتى أننا لا نكاد نتخيل كيف كنا نعيش من دونها. وغالبًا ما تسهم هذه الابتكارات في جعل الأجهزة أصغر حجمًا وأكثر كفاءة، كما نرى في تطور شاشات التلفاز والحواسيب التي أصبحت أنحف وأخف مما كانت عليه في السابق.

ومن المدهش أحيانًا أن نكتشف البدايات البسيطة لبعض التقنيات التي نعدّها اليوم بديهية. فمثلًا، العدسات اللاصقة التي نستخدمها لتغيير لون العين أو تصحيح النظر، لم تكن دائمًا شفافة أو مرنة كما نعرفها اليوم.

بين الحاجة البصرية والرغبة الجمالية، أصبحت العدسات اللاصقة جزءًا لا يتجزأ من حياة ملايين البشر. لكن، خلف هذا الابتكار المذهل، يقبع تاريخ طويل ومخاطر لا يستهان به نستعرضها في هذا المقال.

لمحة تاريخية عن تطور العدسات اللاصقة

توفر اليوم تشكيلة واسعة من العدسات اللاصقة تختلف في خاماتها وأغراض استخدامها. ويمكن تصنيف العدسات بطرق عدة، لكن التصنيف الأساسي من حيث المادة يشمل فئتين رئيسيتين: العدسات اللينة (Soft) والعدسات الصلبة المنفذة للغاز (Rigid Gas Permeable - RGP). 

كما أنه يوجد تقسيمات بحسب جدول الاستبدال (يومية، شهرية،... إلخ) وبحسب جدول الارتداء (نهارية أم ممتدة للمبيت) وغيرها، لكن بالطبع لم يكن الأمر كذلك في البداية. 

تنسب بداية فكرة العدسات اللاصقة إلى العالم ليوناردو دافنشي في عام 1508 والذي طرح مفهوم نظري لتغيير قدرة القرنية البصرية وذلك عبر وضع العين في وعاء مائي أو استخدام عدسة زجاجية مملوءة بالماء على العين. إلا أن هذه الأفكار بقيت غير قابلة للتطبيق العملي.

صورة لتصميم ليوناردو

شهد القرن التاسع عشر أولى المحاولات الجادة لتصنيع عدسة يمكن ارتداؤها على العين؛ و يُسجَّل أنّ طبيب العيون الألماني أدولف فيك كان أول من نجح في تركيب عدسة لاصقة عملية مصنوعة من الزجاج المنفوخ، تغطي الجزء الأمامي من العين بالكامل وكانت كبيرة الحجم. تلك العدسات الصلبة المبكرة كانت غير مريحة إطلاقًا ولا يمكن احتمالها إلا لبضع ساعات.

خلال القرن العشرين حصلت تطورات دراماتيكية في مجال العدسات اللاصقة. فبعد العدسات الزجاجية الثقيلة ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين عدسات مصنوعة من البلاستيك مما جعلها أخف وزنًا. و لاحقًا تم إدخال مواد تسمح للأوكسجين بالعبور عبر العدسة بنسبة أكبر.

https://www.youtube.com/watch?v=XXu5dFS7KXQ

وكانت النقلة النوعية الأهم عام 1961 على يد الكيميائي التشيكي أوتو فيخلتر الذي طوّر مادة هلامية مرنة (هيدروجيل) تصلح لصناعة أول عدسات لينة قابلة للاستخدام البشري. هذه العدسات اللينة مُنحت الموافقة في الولايات المتحدة عام 1971، وسرعان ما انتشرت بفضل ما توفره من راحة فورية للعين مقارنة بالعدسات الصلبة.

استمرت الابتكارات، فظهر لاحقًا أنواع مختلفة من العدسات لتصحيح الاستجماتيزم وقصر النظر الشيخوخي، إلى جانب تطوير عدسات لاصقة تُستخدَم لمرة واحدة (يومية أو شهرية) في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي أواخر التسعينيات، طُرحت عدسات السيليكون الهيدروجيل التي تسمح بنفاذية عالية جدًا للأكسجين، مما أتاح إمكانية ارتداء العدسات لفترات أطول.

هكذا تحولت العدسات اللاصقة من ابتكار بدائي غير مريح إلى وسائل بصرية متطورة وواسعة الانتشار في زمننا الحاضر.

العدسات بين الإقبال العالمي والمخاطر الخفية

يستمر قطاع العدسات اللاصقة بالازدهار، فقد أشارت أحدث الإحصائيات إلى أن قيمته بلغت في سنة 2024 نحو 9.82 مليار دولار أمريكي، ويتوقّع أن تصل إلى 15.46 مليار خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويُعزى الانتعاش في هذا القطاع بشكل رئيسي إلى تزايد معدّلات اضطرابات الرؤية عالميًا، إذ يُقدّر أن نحو 80% من الشباب في الصين وكوريا الجنوبية  يعانون من قِصر النظر.

وعلى الرغم من تفضيل الكثير من الناس استخدام العدسات اللاصقة لأسباب تجميلية أو مرضية كبديل عن النظارات الطبية. إلا أن المخاطر التي تحيط بها ليست بالهينة و تستوجب الحيطة والحذر وكثير من مستخدميها ليسوا على دراية بها.

إذ أن سطح العدسة اللاصقة قد يصبح وسيطًا لنقل الميكروبات إذا لامس أشياء ملوّثة مثل اليدين غير النظيفتين، الماء غير المعقّم، أو الهواء الملوّث أثناء التخزين.

فعند وضع العدسة على العين، قد تنتقل هذه الميكروبات مباشرة إلى سطح القرنية، وهي طبقة شفافة دقيقة جدًا في مقدمة العين. وبما أن العدسة تظلّ ملاصقة للقرنية لفترات طويلة، فإنها قد تحبس الميكروبات والرطوبة، مما يخلق بيئة مثالية لنموها.

كما أن ارتداء العدسة قد يُضعف الحواجز الطبيعية التي تحمي العين، مثل الدموع وقدرة القرنية على امتصاص الأكسجين، مما يزيد من قابلية القرنية للإصابة بالعدوى.

,يعد ارتداء العدسات اللاصقة من المسببات الرئيسية لالتهاب القرنية الميكروبي (Microbial Keratitis)، الذي يتطور في كثير من الحالات إلى درجة فقدان البصر كليًا. إذ أن نسبة الإصابة بالتهاب القرنية بسبب استخدام العدسات اللاصقة تصل إلى 2 - 5 من كل 10,000 شخص.

التهاب القرنية الميكروبي: الأسباب، الأعراض، والعلاج

غالبية حالات الإصابة بالتهاب القرنية تكون نتيجة غزو الميكروبات (بكتيريا، فطريات، طفيليات أو فيروسات) لقرنية العين. يعاني المصاب عادة من أعراض احمرار وألم شديد في العين، حتى لو تم انتزاع العدسة، مع تشوش في الرؤية وحساسية تجاه الضوء، ووجود إفرازات أو دموع غزيرة غير معتادة.

تُعد العدوى البكتيرية الأكثر انتشارًا من بين بقية الميكروبات. وأبرز أنواعها تشمل: الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa)، ومختلف أنواع المكورات العنقودية (وأهمها الذهبية Staphylococcus aureus)، وبكتيريا سيراتيا مارسينس (Serratia marcescens). 

وتبين الدراسات أن الزائفة الزنجارية هي الجرثومة الأكثر تسببًا بالتهاب القرنية المرتبط بالعدسات في جميع أنحاء العالم. وهي جرثومة ماء وتربة قادرة على إفراز سموم وإنزيمات تدمر أنسجة القرنية بسرعة. لذلك فإن الإصابة بها قد تكون سريعة التطور وشديدة الخطورة مقارنة بالبكتيريا الأخرى. 

في الحالات المتقدمة، يمكن لالتهاب القرنية بالزائفة أن يحدث تقرحًا عميقًا بشكل حلقة في القرنية وذلك نتيجة موت الأنسجة مشكلاً في الغالب شكل دائري، مع تكوّن صديد وغشاء التهاب في العين، مما قد يسبب ثقب القرنية وفقدان البصر إن لم يُعالج فورً.

 بالمقابل، عدوى المكورات العنقودية تميل لأن تكون أقل شراسة عادة، إذ قد تؤدي لتقرحات أصغر نسبيًا، لكن إهمالها أيضًا يمكن أن يُلحق ضررًا بالغًا بالعين. أما بكتيريا السيراتيا فهي معروفة بتسببها بالتهاب قرنية وتقرحات وظهرت في بعض حالات تفشي العدوى المرتبطة بتلوث محاليل العدسات.

يعتمد التشخيص على مزيج من تقييم الأعراض والفحص السريري واختبارات المختبر. إذ عادة ما يقوم الطبيب بفحص العين تحت المجهر الضوئي لرؤية أي تقرحات أو عتامات على القرنية. وفي حالة الاشتباه بعدوى ميكروبية، فإن الإجراء الحاسم هو أخذ عينة من القرنية للفحص المخبري.

وإلى أن تظهر نتيجة التحاليل، يبدأ الطبيب عادة بعلاج مبدئي بمضادات حيوية واسعة الطيف بشكل قطرات كثيفة، ثم يُعدل العلاج بناءً على النتائج المخبرية واستجابة المريض. 

يجدر التأكيد أن التشخيص والعلاج المبكرين أساسيان؛ فكثير من حالات التهاب القرنية الجرثومي قابلة للشفاء التام دون فقدان بصر إذا شخصت بشكل صحيح وعولجت في أيامها الأولى، أما التأخر فقد يعني تكوّن ندبات دائمة في القرنية تؤثر على الرؤية.

أهم الملاحظات

في الحقيقة غالبية مستخدمي العدسات لن يواجهوا مشاكل خطيرة إذا اتبعوا إرشادات الاستخدام والنظافة بدقة. لكن الواقع مختلف، إذ تُظهر الاستبيانات أن حوالي 99% من المستخدمين يرتكبون خطأً واحدًا على الأقل في ممارسات العناية بعدساتهم.

تشمل التصرفات الخطرة التي قد تؤدي إلى عدوى ميكروبية:

  • النوم أو أخذ قيلولة بالعدسات اللاصقة.
  • إضافة محلول تعقيم جديد إلى القديم دون تفريغ العلبة وتنظيفها.
  • استخدام العدسات أو العلبة الحافظة لهم لفترة أطول من المدة الموصى بها.
  • الاستحمام أو السباحة أثناء ارتداء العدسات.
  • تخزين أو شطف العدسات بالماء.

رغم مزاياها العديدة، ينبغي إدراك أن استخدام العدسات يوجب قدرًا كبيرًا من المسؤولية والعناية اليومية إذ يتطلب تنظيفها وتعقيمها بانتظام، إلى جانب الالتزام الدقيق بجداول الاستبدال. لأن الإهمال في هذه التفاصيل الصغيرة قد يكون السبب في مضاعفات لا تُحتمل.


احصل على إشعار لكل مقال جديد!