كائن مجهري جديد يتحدى تعريف الكائن الحي!

كائن مجهري جديد يتحدى تعريف الكائن الحي!

حيوية | July 16, 2025 بواسطة أميرة خليل

أميرة خليل
أميرة خليل
منذ يوم
مشاركة:
كائن مجهري جديد يتحدى تعريف الكائن الحي!

في عالم الأحياء الدقيقة، حيث تتداخل حدود الحياة مع اللا حياة، اكتشف العلماء كائنًا مجهريًا غريبًا قد يعيد تشكيل الطريقة التي نُعرّف بها "الكائن الحي". أُطلق عليه اسم Candidatus Sukunaarchaeum mirabile، وهو عضو في مملكة العتائق (Archaea)، يمتلك أصغر جينوم معروف في هذه المملكة حتى اليوم، لا يتجاوز 238 ألف زوج قاعدي، ويحتوي على 222 جينًا فقط. هذه البساطة الجينية المذهلة تجعله أحد أكثر الكائنات الخلوية بساطةً من حيث البنية الوراثية، وتضعه على الحافة القصوى لما يمكن اعتباره "كائنًا حيًّا".

تم اكتشاف S. mirabile بطريقة غير تقليدية، إذ لم يُعزل في المختبر أو يُشاهد مباشرة تحت المجهر. وبدلًا من ذلك، جاء رصده من خلال تقنية تحليل الجينوم البيئي (metagenomics)، وهي طريقة تعتمد على تحليل كل المادة الوراثية الموجودة في بيئة معينة، دون الحاجة إلى عزل الكائنات أو رؤيتها مباشرة. في هذه الحالة، جُمعت العينات من رواسب بيئة مائية حرارية في شمال اليابان. وسط المزيج المعقد من التسلسلات الجينية، برز نمط فريد لا ينتمي إلى أي كائن معروف، مما دفع العلماء إلى إعادة بناء جينومه بالكامل وتحديد هويته كسلالة أثرية غير موثقة سابقًا.

لكن ما يثير الفضول حقًا في S. mirabile هو أنه رغم كونه كائنًا خلويًا، فإنه لا يستطيع القيام بمعظم الوظائف الحيوية التي تُعرّف بها الكائنات الحية عادة. فهو لا ينتج الطاقة بنفسه، ولا يصنّع الأحماض الأمينية أو الدهون. وقد أظهر التحليل الجيني أنه يفتقر تمامًا إلى المسارات البيوكيميائية الأساسية لإنتاج الطاقة عبر تحلل الجلوكوز أو استقلاب الأحماض الدهنية. ومع ذلك، يمتلك القدرة على نسخ جينومه وترجمة بروتيناته باستخدام ريبوسوماته الخاصة، دون الاعتماد على مضيفه في هذه العملية. هذه المزايا تُبعده عن تصنيف الفيروسات التي لا تمتلك أجهزة ترجمة داخلية، لكنها في الوقت نفسه تُظهر مدى اعتماده على مضيف بيولوجي في معظم الوظائف الأساسية.

من اللافت أن الباحثين رصدوا وجود S. mirabile إلى جانب كائن آخر أكبر منه حجمًا، ويُرجَّح أن يكون المضيف الذي يعتمد عليه. ورغم عدم إثبات العلاقة بشكل مباشر، إلا أن البنية الجينية المبسّطة بشكل مفرط لـmirabile تدل بوضوح على أنه لا يمكن أن يعيش بمفرده في بيئة طبيعية، بل يحتاج إلى شريك يزوّده بالعناصر التي يفتقر إليها، ما يدعم فرضية العلاقة الطفيلية أو التكافلية الوثيقة بينهما.

وهنا تطرح الأسئلة نفسها بقوة: هل يكفي أن يكون للكائن بنية خلوية ومادة وراثية وآلية ترجمة لندعوه حيًّا؟ أم أن الحياة تتطلب قدرة ذاتية على إنتاج الطاقة والتكاثر والنمو؟ لا يوجد حتى الآن تعريف موحّد للحياة، لكن يتفق كثير من العلماء على أنها تشمل وظائف كالتنظيم الخلوي، واستقلاب الطاقة، والنمو، والتكاثر، والتفاعل مع البيئة، والقدرة على التطور عبر الزمن. ومع أن S. mirabile لا يحقق سوى جزء محدود من هذه الوظائف، إلا أن استقلاله النسبي في إدارة جيناته يجعله يتجاوز الفيروسات ويقترب من حدود الحياة الخلوية.

هذا الكائن يمثل فرعًا غير موثّق سابقًا ضمن مملكة العتائق، ينتمي إلى سلالة تطوّرت بعيدًا عن الفروع المعروفة، وقد يكون مثالًا حيًا على "الحد الأدنى الممكن للحياة الخلوية". ويُعمّق هذا الاكتشاف فهمنا لمفهوم "الحياة"، إذ يشير إلى أن العتائق قد طوّرت نماذج تطورية متطرفة تعتمد على التبسّط الشديد بدلًا من التعقيد. 



احصل على إشعار لكل مقال جديد!