حرائق الغابات: ظاهرة طبيعية أم إهمال الإنسان؟

حرائق الغابات: ظاهرة طبيعية أم إهمال الإنسان؟

حيوية | July 16, 2025 بواسطة سارّة عبدالحفيظ

سارّة عبدالحفيظ
سارّة عبدالحفيظ
منذ يوم
مشاركة:
حرائق الغابات: ظاهرة طبيعية أم إهمال الإنسان؟

في مشهد يتكرر من قارة إلى أخرى، تندلع ألسنة اللهب في أحضان الطبيعة، تلتهم الأخضر واليابس، ولا تفرق بين شجرة معمرة أو عش طائر مهدد وكان آخرها ما شهدناه بسوريا- اللاذقية،  لنفهم الصورة كاملة علينا أن نمر ببعض النقاط،  فحرائق الغابات بدون شك كارثة على عدة مقاييس؛ لما تسببه من فقدان كبير ينعكس على جميع الكائنات الحية بالضرر.

الغابات: رئة الأرض

صحيح أن اللقب أطلق بالتحديد على غابات الأمازون، إلا أن الحقيقة أن كل شجرة تساهم بشكل مباشر في تنقية الهواء. إذ تمتص الغابات نحو 16 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يعادل قرابة نصف الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.

لكن الغابات لا تقتصر أهميتها على تنقية الهواء فحسب؛ فهي موطن لأكثر من 80% من الأنواع البرية عالميًا مما يجعلها حجر الزاوية في التوازن البيئي والتنوع الحيوي. كما يعتمد عليها أكثر من 300 مليون شخص حول العالم في الغذاء والدواء والسكن. في سوريا، تحتضن الغابات أنواعًا مهددة مثل طائر السيرين السوري و غزال اليحمور، مما يجعل وجودها ضروريًا لحماية التنوع البيولوجي المحلي.

الأثر البيئي لحرائق الغابات

تُعد حرائق الغابات من أخطر الكوارث البيئية التي تُخلّف آثارًا كبيرة على المناخ، التربة، الحياة البرية، وصحة الإنسان.  فبلغ متوسط ​​انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن فقدان الأشجار بسبب قطعها أو بسبب حرائق الغابات, ٨.١ مليار طن سنويًا على مدار العشرين عامًا الماضية، أي زادت بنسبة 60٪ عالميًا.

و بالتبعية تزداد معدلات الاحتباس الحراري؛ بمجرد زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ترتفع درجة حرارة المحيطات مما يؤدي إلى رفع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية للأرض ما بين درجتين وخمس درجات مئوية,كما تُهدّد العديد من الكائنات الحية بالانقراض نتيجة فقدان مواطنها الأصلية التي دمرتها النيران.

حرائق الغابات حول العالم: أمثلة واقعية

في عام 2016، شُهدت واحدة من أسوأ سنوات الحرائق منذ عقود حيث التهمت النيران 9.63 مليون هكتار من الغطاء الأخضر في أستراليا، روسيا، كندا، والولايات المتحدة. وفي حرائق 2019 – 2020 في أستراليا دُمر أكثر من 3000 منزل، وتأثرت حياة نحو 3 مليارات حيوان، مع خسائر اقتصادية تجاوزت 10 مليارات دولار.

أسباب الحرائق: بشرية أم فوق قدراتنا البشرية؟

تتعدّد أسباب حرائق الغابات بين عوامل طبيعية خارجة عن السيطرة، وسلوكيات بشرية يمكن تفاديها.

 أولاً: الأسباب الطبيعية:

  • الجفاف وارتفاع درجات الحرارة: يؤدي ارتفاع الحرارة إلى جفاف التربة والنباتات، مما يجعلها أكثر عرضة للاشتعال.
  • ذوبان الثلوج مبكرًا: إذ يُسرّع من جفاف النباتات والأراضي مع بداية الموسم الحار.
  • العواصف الرعدية والرياح القوية: تساعد الرياح في انتقال الشرارة بسرعة إلى مناطق واسعة، بينما تتسبب الصواعق أحيانًا باندلاع النار مباشرة.
  • الحمم البركانية: قد تتسبب بعض الانفجارات البركانية باندلاع حرائق واسعة في الغابات المجاورة.

ثانيًا: الأسباب البشرية: رغم كل العوامل الطبيعية، تُشير الإحصاءات إلى أن الإنسان يبقى المسؤول الأول عن معظم الحرائق, فمثلا تبيّن أن حوالي 85% من حرائق الغابات في أمريكا كانت ناتجة عن أنشطة بشرية مباشرة، مثل:

  • إشعال النار في أماكن غير مخصصة: كالرحلات أو عند حرق النفايات قرب الغابات.
  • إهمال استخدام الألعاب النارية أو السجائر المشتعلة.
  • الحوادث العرضية: كتماس كهربائي في أعمدة الكهرباء القريبة من الغابات.
  • الأعمال التخريبية المتعمدة: كحرق الأشجار أو المنشآت، وقد تكون لأهداف تجارية أو سياسية.

رمي النفايات في الغابات: يظن البعض أن رمي عبوة معدنية أو زجاجة فارغة في الغابة أمر بسيط لا يضر، لكن الحقيقة أن هذه النفايات يمكن أن تكون الشرارة الأولى لكارثة. فعلى سبيل المثال، الزجاج الشفاف قد يتحوّل تحت أشعة الشمس إلى عدسة مقعّرة تركز الضوء في نقطة واحدة، ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في تلك البقعة إلى حد الاشتعال، خصوصًا في وجود أوراق جافة أو أعشاب قابلة للاحتراق.
 الأمر لا يقتصر على الزجاج فقط؛ العلب المعدنية اللامعة، بقايا البلاستيك، وحتى ورق الألمنيوم يمكن أن تساهم أيضًا في عكس أشعة الشمس بشكل مركّز. هذا النوع من الحرائق يُعدّ من أصعبها كشفًا ومحاسبة المتسببين به، لأنه لا يبدو متعمّدًا للوهلة الأولى، لكنه ناتج عن استهتار واضح بالبيئة.

مسؤوليتنا كأفراد لحماية غاباتنا

صحيح أن الشركات الصناعية الكبرى تتحمّل القسط الأكبر من تدمير البيئة بسبب سياساتها غير المسؤولة، إلا أن ذلك لا يُعفينا كأفراد من مسؤوليتنا.  

ففي كثير من الأحيان، لا يتطلب إشعال حريق غابة أكثر من منديل متّسخ أو علبة فارغة رُميت بلا مبالاة. قد تبدو هذه التصرفات صغيرة، لكنها قد تؤدي إلى كوارث مدمّرة، تُفقدنا مئات أو حتى آلاف الهكتارات من الغابات، وتهدّد حياة الكائنات التي تعيش فيها، بل وقد تطول البشر أنفسهم. 

المسؤولية البيئية تبدأ من أبسط السلوكيات: عدم رمي النفايات، تجنّب إشعال النار في الأماكن الحساسة، الإبلاغ عن أي نشاط خطر، ونشر الوعي بين من حولنا.لأن حماية الغابات ليست مهمة الحكومات فقط، بل واجب مشترك علينا جميعًا.



احصل على إشعار لكل مقال جديد!