الدماغ يحرق الدهون!

 رغم أن الدماغ لا يشكّل سوى 2٪ من وزن الجسم، إلا أنه يستهلك حوالي 20٪ من طاقته. ولعقود طويلة، اعتقد العلماء أن السكر (الجلوكوز) هو المصدر الوحيد الذي يغذّي هذا العضو النهم بالطاقة، لكن دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Metabolism قلبت هذه الفكرة رأسًا على عقب!  بعد تجارب على الفئران، اكتشف الباحثون أن الخلايا العصبية تخزّن قطرات دقيقة من الدهون الثلاثية (triglycerides) عند أطرافها، قرب المشبك العصبي، بحيث يمكن للدماغ أن يستعين بها عند انخفاض مستوى السكر أو زيادة النشاط العصبي.

🧪 آلية استخدام الدماغ للدهون الثلاثية:

 داخل الخلايا العصبية، وخصوصًا عند نهاياتها حيث توجد المشابك العصبية، يكمُن إنزيم يُدعى DDHD2. وظيفة هذا الإنزيم محورية: فهو يقوم بتفكيك الدهون الثلاثية المخزنة داخل قطرات صغيرة جدًا في الخلية، ويحوّلها إلى أحماض دهنية يمكن للخلية استخدامها لإنتاج الطاقة داخل الميتوكوندريا.   وجود هذا الإنزيم قرب المشابك العصبية مهم جدًا، لأن هذه المنطقة تستهلك كميات هائلة من الطاقة لإرسال واستقبال الإشارات العصبية. وعندما ينخفض الجلوكوز، وهو مصدر الطاقة الأساسي للدماغ، يكون دور الدهون المخزنة هو إنقاذ الموقف.

 لكن ما الذي يحدث إذا فقد هذا الإنزيم وظيفته؟

 عندما عطّل العلماء عمل هذا الإنزيم في أدمغة الفئران، حصل أمر لافت: تراكمت الدهون قرب المشابك، ولم تعد تُستخدم لإنتاج الطاقة. ومع مرور الوقت، أصبحت الخلايا العصبية أضعف، وبدأت حرارة جسم الفئران بالانخفاض، وكأنها دخلت في حالة سكون أو سبات.

🔍 ما أهمية هذا الاكتشاف؟

 هذا يشير إلى أن غياب DDHD2 يمنع الدماغ من استخدام الدهون كمصدر بديل للطاقة، مما يهدد استقرار وظائفه الحيوية. هذا الاكتشاف يكسر قناعة علمية قديمة، ويمنحنا فهمًا جديدًا لكيفية بقاء الدماغ نشطًا في الظروف القاسية أو في فترات الصيام الطويلة مثلًا، وقد يفتح بابًا جديدًا لفهم الأمراض العصبية مثل الزهايمر والباركنسون التي يكون فيها تراكم الدهون غير طبيعي أو استهلاك الطاقة مضطرب.